القنوات الفضائية للزواج

جاء فى جريدة الحياه اليوم 28-5-2008 بموضوع عن زواج القنوات الفضائية

ظاهره زواج شرعي، وباطنه زواج إباحي، هذا ما أستطيع إطلاقه على بعض قنوات الزواج المنتشرة في فضائنا المباح والملغوم بكل ما يروج للفساد والإثم والعدوان، ما يدل على أننا لم نحسن انتقاء تقنيات البث الفضائي، كما لم نحسن الاستثمار الفضائي، اللهم أخيراً بقنوات تمخضت وطال مخاضها - والحمد لله - أنها ولدت بالسلامة.
كنت أظن أن ما يبث في تلك القنوات ليس إلا صيد الخاطر للجمع بين الجاد والهازل، ومن تلك الخواطر شاب ألقى بتجربته الخاصة في بريدي الالكتروني شاكياً، ومتسائلاً عن الحل، إذ يقول: أشكر صحيفة «الحياة» اهتمامها بمشكلات المواطنين، طرحها المتوازن، ولذلك أتمنى منك ككاتبة أن تشرحي للناس ليكونوا على بصيرة بالسوء المبطن في قنوات الزواج، فأنا شاب قد أبلغ الثلاثين من عمري ولم أحصل على زوجة حتى الآن، على رغم اتساع مدينة الرياض، فكل أسرة طرقت بابها طالباً الزواج من إحدى بناتها تتحجج بأن وظيفتي متواضعة أو أني لا أملك مالاً ولا جاهاً، حتى أني قبلت بأن تكون العروس أكبر مني سناً، وعلى رغم ذلك رفضوني. والموظفة كذلك رفضتني، ونسيت، أو تناست أن وظيفتها ووظيفتي ستسنداننا مستقبلاً، جربت كل الطرق حتى أني لجأت إلى الخاطبة، ولكن النتيجة هي نفسها وللأسباب نفسها «أنت لا تملك مكانة مرموقة في المجتمع»!
اضطررت للجوء إلى قنوات الزواج، ويا هول ما صدمت به، إذ يتم التعارف مباشرة، وأحياناً عن طريق الصور، وأكتشف بعدها أن راغبة الزواج ليست سوى هاوية تبحث عن المال في أكثر جيوب الرجال انتفاخاً به، لدرجة أني اكتشفت مرة أن من تحدثت إليها ليس سوى رجل مثلي!
ومن الشروط التعجيزية لهذه القنوات أن الرسالة الواحدة تكلف ثلاثة ريالات، مع شرط دخول الموقع عبر «الانترنت»، وأخيراً فوجئت بأن شريكة حياتي التي أبحث عنها يميناً وشمالاً تعدت الخطوط الحمر، وطلبت مني المقابلة في مكان ما... مطعم، كازينو، فندق، للتعرف علي أكثر، على رغم يقيني بأن نهاية هذا التعارف مصلحة مادية ليس إلا، هذا لأني اكتشفت أنها من بلدي نفسها، أما وإن كانت من غير بلدي فان جيبي سيمتد ويتمدد بلا نهاية، أي إلى مطالب لا تنتهي، وإن تم لأحدنا الزواج فإنه غالباً ما يتوج بالمشكلات، كصاحبنا المصري الذي تزوج بغربية بغية الحصول على الجنسية والوظيفة حتى اذا تمكن من مراده تخلى عنها، ولأنها غربية وليست عربية رفعت عليه قضية ما زالت متداولة في المحاكم إلى الآن! ما يعني أن الزواج عن طريق هذه القنوات إما أن يكون إباحياً، أو مصلحياً وإباحياً معاً يحمل معاني عدة من ضمنها أنه إن أردت أن تتزوج فما عليك إلا أن تكون إباحياً أيضاً، ومتخلياً عن أخلاقياتك وقيم دينك بطرق شيطانية - إنسية - إبليسية!
- انتهى حديثه بتصرف.
أما حديثي فأوجزه في عبارات بسيطة هي: إلى متى نستهلك عقولنا وقلوبنا بهذا الشكل المفزع؟ والى متى نقبل لعقولنا وقلوبنا أن تستفز وتستغل بحسب أهواء بعض الفاسدين؟ ومن يشرح لي شرحاً مقنعاً يقنعني به بين إحصاءات العنوسة في العالم العربي ووجود هذه القنوات والمواقع الخاصة بالزواج التي تؤكد وجود عدد كبير من النساء والرجال من دون زواج فأين الخلل؟ هل تعلمون؟... أعتقد أن الخلل ناجم من تفريطنا بما في أيدينا من أمانات كانت تعصمنا وتحفظنا من الانزلاق إلى مهاوي الرذائل وفتن الفساد!


عن جريدة الحياه