ابوخالد صاحب المنتدى
عدد الرسائل : 479 العمر : 73 اسم : رقم العضوية : 1 تاريخ التسجيل : 29/04/2008
| موضوع: الجزء الثانى من موضوع الثبات على الدين الخميس يوليو 24, 2008 11:49 pm | |
| خامساً: ذكر الله: وهو من أعظم أسباب التثبيت. وتأمل هذا الاقتران بين الأمرين في قوله - عز وجل: {يَا أَيُّهَا الَذِينَ آمَنُوا إذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا واذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيراً} [الأنفال:45] فجعله الله من أعظم ما يعين على الثبات في الجهاد. وتأمل أبدان فارس والروم كيف خانتهم أحوج ما كانوا إليها!! بالرغم من قلة عدد وعدة الذاكرين الله كثيراً. وبماذا استعان يوسف - عليه السلام - في الثبات أمام فتنة المرأة ذات المنصب والجمال لما دعته إلى نفسها؟ ألم يدخل في حصن {معاذ الله}، فتكسرت أمواج جنود الشهوات على أسوار حصنه؟ سادساً: الحرص على أن يسلك المسلم طريقاً صحيحاً: والطريق الوحيد الصحيح الذي يجب على كل مسلم سلوكه هو طريق أهل السنة والجماعة؛ طريق الطائفة المـنـصورة والفرقة الناجية، ذو العقيدة الصافية والمنهج السليم واتباع السنة والدليل، والتميز عن أعداء الله ومفاصلة أهل الباطل. وإذا أردت أن تـعـرف قيمة هذا في الثبات، فتأمل وسائلْ نفسك؛ لماذا ضل كثير من السابقين واللاحقين، وتحـيروا، ولم تـثبـت أقدامهم على الصراط المستقـيم، ولا ماتوا عليه، أو وصلوا إليه بعدما انقضى جل عمرهم، وأضاعوا أوقاتاً ثمينة من حياتهم؟ فـتـرى أحدهـم يـتـنـقل في منازل البدع والضلال من الفلسفة إلى عالم الكلام والاعتزال إلى التحريف إلى التصوف والتفويض والإرجاء... وهكذا أهل البدع يتحيـرون ويضـطـربون، وانظر كيف حرم أهل الكلام الثـبات عند الممات فقال السلف: "أكثر الناس شكاً عند الموت أهل الكلام". لكن فكر وتدبر؛ هل رجع أحد من أهل السنة والجماعة عن الطريق سخطةً بـعـد إذ وفـقـه وسلكه؟ فقد يتركه لأهواء وشهوات أو لشبهة عرضت لعقله الضعيف، لكن لا يتركه لأنه قد رأى أصح منه أو تبين له بطلانه. ومصداق هذا مساءلة هرقل لأبـي سفـيـان عن أتـبــاع محمد -صلى الله عليه وسلم- قال هرقل لأبي سفيان: "فهل يرتد أحد منهم سخطة لدينه بعد أن يدخل فيه؟" قال أبو سفيان: "لا". ثم قال هرقل: "وكذلك الإيـمـان حيـن تخـالـط بشاشته القلوب". سمعنا كثيراً عن كبار تنقلوا في منازل البدع أو هداهم الله، فتركوا الباطل، وانتقلوا إلى مذهب أهل السنة والجماعة ساخطين على مذاهبهم الأولى، ولكن هل سمعنا العكس؟! فإن أردت الثبات؛ فعليك بسبيل المؤمنين. سابعا التربية: التربية الإيمانية العلمية الواعية المتدرجة عامل أساسي من عوامل الثبات. الـتـربـيـة الإيـمـانـيـة: التي تحيي القـلـب والضمير بالخوف والرجاء والمحبة، المنافية للجفاف الناتج من البعد عن نصوص القرآن والـسـنـة، والعكوف على أقاويل الرجال. التربية العلمية: القائمة على الدليل الصحيح، المنافية للتقليد والإمعية الذميمة. التربية الواعية: الـتـي تعـرف سـبـيـل المجـرمين، وتدرس خطط أعداء الإسلام، وتحيط بالواقع علماً، وبالأحداث فهماً وتقويماً، المنافية للانغلاق والتقوقع على البيئات الصغيرة المحدودة. التربية المتدرجة: التي تسير بالمسلم شيئاً فشيئاً، تـرتـقـي بـه فـي مـدارج كماله بتخطيط موزون، والمنافية للارتجال والتسرع والقفزات المحطِّمة. ولكي ندرك أهمية هذا العنصر من عناصر الثبات، فلنعد إلى سيرة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ونسائل أنفسنا: ما هو مصدر ثبات صحابة النبي -صلى الله عليه وسلم- في مـكـة إبَّـان فـتـرة الاضـطـهـاد؟ كيف ثبت بلال وخباب ومصعب وآل ياسر وغـيـرهـم مـن المستضعفين وحتى كبار الصحابة في حصار الشِّعب وغيره؟ هل يمكن أن يكون ثباتهم بغير تربية عميقة من مشكاة الـنـبـوة ثقَّـلت شخصياتهم؟ لنأخذ رجلاً صحابياً مثل:خباب بن الأرت -رضي الله عنه- الذي كانت مولاته تُحْمي أسياخ الحديد حتى تحمَر،ثم تطرحه عليه عاري الظهر، فلا يطفئها إلا ودك (شحم) ظهره حين يسيل عليها، ما الذي جعله يصبر على هذا كله؟ و"بلال" تحت الصخرة في الرمضاء؟ و"سميَّة" في الأغلال والسلاسل..؟! وهناك سؤال منبثق من موقف آخر في العهد المدني؛ مَن الذين ثبتوا مع النبي -صلى الله عليه وسلم- في حنين لما انهزم أكثر المسلمين؟ هل هم مسلمو الفتح -الذين خرج أكثرهم طلباً للغنائم- وحديثو العهد بالإسلام؟ كلا... إن غالب من ثبت هم أولئك الصفوة المؤمنة التي تلقت قدراً عظيماً من التربية على يد رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، لو لم تكن هناك تربية؛ تُرى هل سيثبت هؤلاء؟ ثامناً - الثقة بالطريق: لا شك أنه كلما ازدادت الثقة بالطريق الذي يسلكه المسلم كان ثباته عليه أكبر... ولهذا وسائل منها: - استشعار أن الصراط المستقيم الذي تسلكه ليس جديدا ولا وليد قرنك وزمانك، وإنما هو طريق عتيق قد سار فيه من قبل الأنبياء والصديقين والعلماء والشهداء والصالحين، فتزول غربتك، وتتبدل وحشتك أُنساً، وكآبتك فرحاً وسروراً، لأنك تشعر بأن أولئك كلهم إخوة لك في الطريق والمنهج. - الشعور بالاصطفاء، قال الله -عز وجل-: {الحَمْدُ لِلَّهِ وسَلامٌ عَلَى عِبَادِهِ الَذِينَ اصْطَفَى} [النمل:59]، {ثُمَّ أَوْرَثْنَا الكِتَابَ الَذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا} [فاطر:32]،{وكَذَلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ ويُعَلِّمُكَ مِن تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ} [يوسف:6]... وكما أن الله اصطفى الأنبياء؛ فللصالحين نصيب من ذلك الاصطفاء وهو ما ورثوه من علوم الأنبياء. ماذا يكون شعورك لو أن الله خلقك جماداً، أو حيواناً، أو كافراً ملحداً، أو داعية إلى بدعة، أو فاسقاً، أو مسلماً غير داعية لإسلامه، أو داعية في طريق متعدد الأخطاء؟ ألا ترى أن شعورك باصطفاء الله لك؛ وأن جعلك داعية من دعاة أهل السنة والجماعة من عوامل ثباتك على منهجك وطريقك؟ تاسعاً - الالتفاف حول العناصر المثبتة: تلك العناصر التي من صفاتها ما أخبرنا به -عليه الصلاة والسلام-:«إن من الناس ناساً مفاتيح للخير مغاليق للشر». البحث عن العلماء والصالحين والدعاة المؤمنين، والالتفاف حولهم معينٌ كبير على الثبات، حتى قال بعض السلف: ثبَّت الله المسلمين برجلين:"أبي بكر" يوم الردة، و"الإمام أحمد" يوم المحنة. وهنا تبرز الأخوة الإسلامية كمصدر أساسي للتثبيت، فإخوانك الصالحون هم العون لك في الطريق، والركن الشديد الذي تأوي إليه؛ فيثبتونك بما معهم من آيات الله والحكمة... الْزمْهم وِعِش في أكنافهم، وإياك والوحدة فتخطفك الشياطين. يتبع الجزء الثالث | |
|